الشم والتذوق واللمس عن بعد

 

هل سبق أن شاهدت إعلانًا لمأكولات يقدمها أحد المطاعم على إحدى منصات التواصل على الإنترنت وَسال لعابك بسببها؟ وهل تمنيت شم رائحة معينة أو عطرٍ جديد يُعلن عنه أحد المصانع المنتجة للعطور؟ نعم، ستتمكن من تذوق الطعام وشم العطور وعناق الأصدقاء، وكل هذا عن بعد ومن خلال الإنترنت!

في هذا التقرير نسلط الضوء على التقنيات الجاري تطويرها لنقل الأحاسيس عن بعد، التي ستغير مفهوم الإعلانات وتجربة المنتجات المتعلقة باللمس والتذوق والرائحة.

الإحساس باللمس عن بعد

إحساسنا باللمس يتم من خلال الجلد، ويتكون الجلد من طبقات متعددة، ويتم نقل الإحساس من خلال آلية معقدة، كما أن النظام الحسي في الجلد ذو درجة كبيرة من التميز، فهو ينقل الشعور بلمسة ريشة، وكذلك ينقل الشعور بلمس كتلة من الحديد.

راودت مخيلة العلماء منذ ثمانينيات القرن الماضي فكرة نقل الشعور باللمس عن بعد، وتمثلت أولى المحاولات لتحقيق ذلك من خلال مختبر “الواقع الافتراضي” التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، إذ طورت الوكالة في حينها مختبرًا افتراضيًا على مساحة حقيقية، ووضعوا بعض المتحسسات في تلك المساحة، وهي تطابق صورًا تعرض أمام جهاز المتدرب.

في أثناء تجوال المتدرب في تلك الساحة، وعند لمس تلك المتحسسات تقوم بتوليد نبضة كهربائية تمنح المتدرب الشعور باللمس للصورة التي يراها أمامه، تلك المحاولة من ناسا لم تحقق مفهوم اللمس الذي يطمح العلماء في نقله اليوم، لكن كانت أقرب لما يطلق عليه اليوم بالواقع المختلط (MR).

لكن هذا المفهوم طورته شركة “مايكروسوفت” وأطلقت عليه “مغامرات الواقع الافتراضي القابلة للمس والمشي” عام 2016، إذ ارتدى أحد المتطوعين بذلة خاصة بالواقع الافتراضي، وخلال مشيه على المسرح يتم عرض امرأة بتقنية الواقع المختلط، وعند عناقها يشعر الشخص بأنه عانق المرأة كما بالحقيقة.

أجهزة Haptic للشعور باللمس عن بعد

لعل أول الأجهزة التي صممت لمنح الشعور باللمس عن بعد هي أجهزة Haptic، تأتي هذه الأجهزة بعدة أشكال، منها ما يكون شبيهًا بالفأرة التي نستخدمها مع الحاسوب، ومنها ما يكون على شكل قراصة تحيط بالإصبع.

ورغم تعدد أشكالها لكن عملها واحد، وهو توليد نبضة كهربائية تمر من خلال الجلد، تساوي تلك النبضة التي تتولد عندما نلمس شيئًا معينًا.

صورة

صورة

التحكم بالأجهزة دون لمسها

طورت شركة Ultrahaptics البريطانية الناشئة، مجموعة صغيرة من الأجهزة تتكون من 64 من محولات الطاقة العاملة بالموجات فوق الصوتية، تتيح هذه الأجهزة للأشخاص “لمس الأشياء الافتراضية في الجو”.

عند لمس تلك الموجات في الجو، يشعر المستخدم بلمسه لجهاز أو أي شيء شبيه بملمس الجهاز الحقيقي، الذي تصوره تلك الأجهزة.

بذلة تنقل اللمس

طور أدريان تشيوك، أستاذ الحاسبات بجامعة سيتي في لندن، بذلة يمكنك وضعها على جسمك لاحتضان شخص ما عن بعد.

نقل حاسة الشم عن بعد

طور الباحثون عدة طرق لنقل الروائح عن بعد، أول تلك الابتكارات كان جهازًا أطلقوا عليه “Scentee“، وهو جهاز صغير يتصل بالهاتف عبر تطبيق ويتصل مع الهاتف من خلال مقبس الصوت، هذا الجهاز يحوي بداخله خراطيش بها مواد كيميائية.

عند إرادة شم رائحة معينة، تطلق تلك الخراطيش مادة تمثل تلك الرائحة، ولكن ما يعيبها أنها صعبة الاستخدام وتتطلب تبديل الخراطيش كلما نفدت المادة منها.

تم تسويق هذه الأجهزة في اليابان – ويتم بيع 10000 وحدة شهريًا – وتحتوي على روائح الكثير من الأزهار أو العطور المشهورة.

لكن ما يطمح إليه الباحثون هو نقل الشعور بالرائحة “الشم” بطريقة أسهل ونقل كميات روائح أكثر، لذا طور عالم الأعصاب الفرنسي أوليفييه أولييه، جهازًا يمكن أن ينتج إحساسًا صناعيًا بالرائحة من خلال التشغيل المغناطيسي، حيث يمكن تحفيز البصلة الشمية في تجويف الأنف المسؤول عن الرائحة عن طريق نبض المجالات المغناطيسية، يعمل ذلك التحفيز على إثارة المسار العصبي للدماغ الناقل للرائحة.

نقل الإحساس بالطعم عن بعد

استخدم العلماء طرقًا مختلفة لنقل الإحساس بالطعم عن بعد، أولى تلك الطرق هي “التحفيز الإلكتروني” للسان، ويتم ذلك من خلال ابتكار جهاز يولد موجات كهربائية تناسب كل طعم.

معلوم عند تذوق إحدى النكهات تنتقل تلك النكهة إلى الدماغ من خلال تحويل المستلمات الحسية لها من نكهة إلى إشارة كهربائية يفهمها الدماغ.

ما فعله الباحثون هو محاكاة تلك النبضة وإرسالها للدماغ، وتم لهم ذلك من خلال جهاز صغير مصمم لهذا الغرض.

صورة

الطريقة الثانية التي يتم بها نقل الإحساس بالطعم هو ما ابتكره مؤخرًا باحثون من جامعة “ميجي” في اليابان، الجهاز عبارة عن عصا رقمية قابلة للعصر مزودة بمواد هلامية ملونة، كل مادة تمنح أحد الأذواق الخمس الرئيسية: المر والمالح والأومامي – طعم لاذع لطيف أضافته اليابان عام 1990 – والحلو والحامض.

عندما تلمس الأنابيب الخمسة للجهاز اللسان يدرك الشخص جميع أحاسيس التذوق الخمس، لكن عند تطبيق شحنات كهربائية متفاوتة بجهد قليل وغير ضار فقد تتضخم بعض الأذواق بينما تتضاءل الأخرى.

وعند عرض صورة لطعام معين على الشاشة تحفز كل مادة بجهد كهربائي يناسب مقدار طعم المادة في ذلك الغذاء، وبعد وضع العصا على لسان المستخدم يشعر بطعم الطعام على لسانه، أطلق الباحثون على الجهاز اسم “نوريماكي سينثيسيزر“، الذي سمي على اسم الأعشاب البحرية الملفوفة حول طبق “السوشي” الياباني المعروف.

صورة

كما يجري عمل مماثل في جامعة سنغافورة الوطنية، حيث يبني فريق من الباحثين “مصاصة رقمية” تخدع اللسان في تجربة الأذواق الحلوة أو المالحة أو الحامضة أو المريرة.

يتوقع المطورون لهذه التقنيات أن يكون لها استخدامات واسعة النطاق في مجال الإعلانات والتسويق، إذ يمكن لأي صاحب مطعم الاستعانة بفريق تقني يحاكي نكهات المأكولات ويقومون بتحويلها إلى نبضات تُرسل لمن يود التذوق عن بعد باستخدام إحدى وسائل التذوق الافتراضي التي يجري تطويرها. وفي مجال الألعاب ستدخل تقنية الشعور بالرائحة والملمس بشكل كبير، خاصة في ألعاب الواقع الافتراضي والواقع المعزز.

منقول عن الاستاذ طه الراوي